صوت الجماھیر یصنع القرار: فلسطین بین الضغط الشعبي والاعتراف الدولي

 


شخص يحمل العلم الفلسطيني خلال تظاهرة في مدينة نيويورك للمطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الإسرائيلية الدامية على قطاع غزة (19 مارس 2024). REUTERS - Eduardo Munoz


إعداد  منيار النايلي 


(المطلع ) 

قوة التواصل الاجتماعي والضغط الرقمي

 منذ اندلاع الحرب الأخیرة على غزة، تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة مواجھة موازیة للمعركة على الأرض.

  في زمن الصورة المباشرة والبث الحي، لم یعد الإعلام الرسمي قادرًا على احتكار الروایة،  وباتت مقاطع الفیدیو القادمة من ھواتف الفلسطینیین تُعید تشكیل الوعي العالمي كل یوم

 ملایین المستخدمین في العالم شاركوا محتوى مؤیدًا لفلسطین، مستخدمین شعارات

 الذي تجاوزت الملیار مشاھدة على “إكس” و”إنستغرام”. #FreePalestine #standbyGaza  الحركات الطلابیة في الجامعات الأمریكیة والبریطانیة اعتمدت شبكات رقمیة منظمة لنشر البیانات والعرائض، مما أجبر إدارات جامعیة كبرى على مراجعة استثماراتھا في الشركات الداعمة للاحتلال.

  حتى المشاھیر والمبدعین دخلوا المعركة الرقمیة؛ من نجوم السینما إلى لاعبي كرة القدم الذین نشروا رسائل تضامن علنیة رغم الضغوطات السیاسیة والإعلامیة و بالتالي الھاشتاغات لم تعد رمزیة، بل تحوّلت إلى أدوات تعبئة شعبیة. كما أن ضغط الرأي العام الرقمي ساھم في تحریك النقاش داخل البرلمانات الغربیة ودفع حكومات مثل إیرلندا وإسبانیا والنرویج و غیرھم إلى الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطینیة.

  ھذه الموجة الرقمیة ھي شكل جدید من “الدبلوماسیة الشعبیة”، حیث لا تقودھا الحكومات بل الجماھیر  المتصلة عبر الإنترنت.

  ورغم محاولات إسرائیل لمواجھتھا عبر حملات إعلامیة منسقة واتّھام الأصوات المنتقدة بـ"معاداة السامیة"،إلا أن الحقیقة باتت أكثر انتشارًا من أي وقت مضى

 المسار السیاسي والدبلوماسي للاعتراف 

لم یكن الاعتراف بفلسطین نتاج ظرف سیاسي مؤقت، بل ثمرة مسار دبلوماسي متدرج بدأ منذ تأسیس منظمة التحریر الفلسطینیة، التي نجحت في نقل صوت الشعب الفلسطیني إلى المحافل الدولیة.

 على مدى العقود الماضیة، تراكمت الخطوات السیاسیة والدبلوماسیة التي جعلت من فلسطین فاعلًا حاضرًا في النظام الدولي، من عضویتھا في منظمة الیونسكو، إلى حصولھا عام 2012 على صفة

“دولة مراقب غیر عضو” في الأمم المتحدة.

 ھذا التطور شكّل اعترافًا ضمنیًا بالدولة الفلسطینیة وحقوقھا، وفتح الباب أمام انضمامھا إلى مؤسسات قانونیة مثل محكمة الجنایات الدولیة ومجلس حقوق الإنسان.

ترافق ھذا العمل الدبلوماسي مع تحوّل في المزاج الدولي بعد الحروب المتكررة على غزة، حیث لم تعد مشاھد الدمار تمرّ دون أثر سیاسي.

 بدأت برلمانات أوروبیة تناقش صراحة مسألة الاعتراف بفلسطین، في وقت وجدت فیھ الحكومات نفسھا أمام ضغط شعبي متزاید واتھامات بالنفاق السیاسي.


 وھكذا، عندما أعلنت 157 دولة في عام 2025 اعترافھا بفلسطین كدولة ذات سیادة، كان ذلك تتویجًا لجھود تراكمت عبر سنوات من الصبر والمناورة السیاسیة.

ھذا الاعتراف عزّز موقع فلسطین في المفاوضات الدولیة، وأعطاھا سندًا قانونیًا وأخلاقیًا یصعب تجاھلھ، لكنھ لم یغیّر موازین القوة بعد.  فالكیان الصھیوني ما زال یستفید من حمایة أمریكیة واسعة تمنع تنفیذ القرارات الدولیة، وتُبقي السیادة الفلسطینیة في حدود الورق.


 الدور الشعبي في دفع الاعتراف الدولي

لا یمكن فھم موجة الاعترافات دون النظر إلى القوة الشعبیة التي تقف وراءھا فما من قرار سیاسي یصدر بمعزل عن نبض الشارع. 

 

 من شوارع باریس ومدرید، إلى كیب تاون وساو باولو، خرجت ملایین الأصوات ترفع علم فلسطین، مطالبة بوقف الحرب والاعتراف بحق ھذا الشعب في الحیاة والحریة.

في الجامعات الأوروبیة، نصب الطلبة خیام الاعتصام ورفعوا شعارات تطالب بقطع العلاقات مع الشركات الداعمة للاحتلال.

 في أمریكا اللاتینیة، كان الشارع أكثر جرأة؛ فحكومات ككولومبیا وتشیلي وبولیفیا اتخذت خطوات دبلوماسیة صریحة استجابة لضغط شعبي متنامٍ.

 حتى في العالم العربي، عاد التضامن الشعبي إلى الواجھة بعد سنوات من الفتور، حیث تحولت المسیرات الجماھیریة إلى رسالة واضحة: فلسطین ما تزال البوصلة الأخلاقیة للأمة.

ھذه التعبئة الشعبیة العابرة للحدود جعلت من القضیة الفلسطینیة قضیة إنسانیة عالمیة، تتجاوز الانتماءات السیاسیة والدینیة.

 القوة الناعمة للشعوب صوت الناس وصورتھم على الأرض  أصبحت أحد أھم أدوات التغییر في السیاسة الدولیة.

 إن ما لم تستطع الحكومات فرضھ بالاتفاقیات، فرضتھ الجماھیر بالضغط والإصرار.



الاعتراف بفلسطین من قبل 157 دولة ھو خطوة كبرى في الاتجاه الصحیح ،لكنھ لیس نھایة الطریق   

 فما زال الاحتلال قائمًا، والاستیطان یتمدد، والحصار یخنق غزة، بینما تمارس إسرائیل سیادتھا الفعلیة على الأرض التي یُفترض أن تكون لدولة فلسطین و الاعتراف الدولي یمنح فلسطین شرعیة سیاسیة، لكن السیادة الحقیقیة لا تُمنح... بل تُنتزع  

سیبقى مستقبل الدولة الفلسطینیة مرھونًا بقدرة الفلسطینیین على توحید صفوفھم، وباستمرار الضغط الشعبي والرقمي والدبلوماسي عالمیًا، وبتغیّر میزان القوى الذي ما زال حتى الآن یمیل لصالح القوة لا العدالة.ومع ذلك، فإن ما حدث ھذه السنة یُعدّ تحولًا في الوعي العالمي، حیث باتت القضیة الفلسطینیة أكثر حضورًا في الضمیر الإنساني مما كانت علیھ في أي وقت مضى.

 ربما لا یغیّر الاعتراف الواقع، لكنھ یثبت أن العالم بدأ أخیرًا یسمع الروایة التي حاولوا طمسھا طویلًا.

وھذا بحد ذاتھ، بدایة الطریق نحو الحریة والسیادة الحقیقیة.


_ شاهد الملخص الإخباري 



 

Commentaires