بين الدعم والمصالح: تأثير الاعتراف الدولي بفلسطين على الأردن ومصر

 


 إعداد نور الدّريدي و أحمد العيادي

 منذ أكثر من سبعة عقود، تظلّ فلسطين محورًا رئيسيًا في التفاعلات السياسية العربية، وقضية تختبر مواقف الدول المجاورة بين الثوابت القومية والضرورات الاستراتيجية. ومع الموجة الجديدة من الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، تعود الأنظار نحو الأردن ومصر، بوصفهما دولتين تحملان عبء التاريخ والمسؤولية السياسية في آنٍ واحد. فكيف سينعكس هذا التحول الدولي على موقفيهما ودورهما في المنطقة؟

مقدمة تاريخية

تربط فلسطين علاقات تاريخية وسياسية وثيقة مع الدول العربية المجاورة، وخاصة الأردن ومصر.
فمنذ النكبة عام 1948، استقبل الأردن ملايين اللاجئين الفلسطينيين، واحتفظ بالوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، كما لعب دورًا بارزًا في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في محطات متعددة، من اتفاقيات وقف إطلاق النار إلى مبادرات السلام الإقليمية.

أما مصر، فقد شكّلت منذ منتصف القرن العشرين أحد أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية سياسيًا وإنسانيًا، خاصة في قطاع غزة. وبعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد (1978) ومعاهدة السلام مع إسرائيل عام  1979، أصبحت القاهرة أول دولة عربية تعترف رسميًا بإسرائيل، ما منحها موقعًا فريدًا كوسيط رئيسي بين الطرفين، ومسؤولة عن إدارة المعابر وتنسيق المساعدات الإنسانية.

إنّ هذا التاريخ المعقّد للعلاقات الأردنية والمصرية مع فلسطين يجعل الاعتراف الدولي الجديد بدولة فلسطين حدثًا مفصليًا، يثير تساؤلات حول انعكاساته على استقرار المنطقة وأدوار هاتين الدولتين الإقليميتين..

الاعتراف الدولي الجديد بدولة فلسطين و تأثيراته

أعلنت عدة دول غربية، من بينها المملكة المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا، اعترافها الرسمي بدولة فلسطين. ويُعدّ هذا الاعتراف دعمًا دبلوماسيًا وسياسيًا مهمًّا للقضية الفلسطينية، لكنه في الوقت نفسه يفرض تحدّيات على الدول المجاورة ذات المصالح الاستراتيجية مع إسرائيل، ويزيد من الضغوط الشعبية على الحكومات العربية لاتخاذ مواقف أكثر وضوحًا في دعم الحقوق الفلسطينية

تأثير الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على الموقف الأردني

وقع الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1994، منهياً حالة الحرب وموفرًا آفاقًا للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني. مع الاعتراف الدولي الجديد بدولة فلسطين،حيث  يواجه الأردن ضغوطًا داخلية متزايدة للمطالبة بمواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل ودعم الحقوق الفلسطينية، خصوصًا في ظل استمرار التوسع الاستيطاني وتهديد الوضع في القدس. ويشير محللون إلى أن الحكومة الأردنية مضطرة لإيجاد توازن دبلوماسي يحافظ على مصالحها الوطنية والتزاماتها الدولية، مع الاستجابة لتطلعات الشارع العربي والفلسطيني. وقد صرح مسؤول أردني: "نلتزم بدعم الحقوق الفلسطينية، مع الحرص على استقرار المملكة ومصالحها الإقليمية."

تأثير الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على الموقف المصري

تلعب مصر دور الوسيط الرئيسي على قطاع غزة ، خصوصًا في إدارة المعابر وتنسيق المساعدات الإنسانية، ما يجعلها أمام تحدٍ مزدوج بعد الاعتراف الدولي الجديد بدولة فلسطين، فهي مضطرة لدعم الحقوق الفلسطينية مع الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل، خصوصًا في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب. ويرى خبراء سياسيون أن القاهرة قد تكثف جهود الوساطة الإنسانية والسياسية في غزة، مع الحفاظ على القنوات المفتوحة مع تل أبيب لتجنب أي تصعيد محتمل، ما يعكس أهمية دور مصر في حماية استقرار جنوب إسرائيل وشمال سيناء.

مدى انعكاس الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على أرض الواقع

على الرغم من أهميته الدولية، يواجه تطبيق الاعتراف على الأرض عدة تحديات. على الأردن إدارة علاقاته مع إسرائيل بحذر لضمان مصالحه الأمنية والاقتصادية، بينما على مصر الحفاظ على الاستقرار في المناطق الحدودية مع إسرائيل، وتجنب أي تصعيد قد يضر بمصالحها الحيوية. وعلى مستوى الفلسطينيين، يمثل القرار دعمًا سياسيًا ودبلوماسيًا لكنه محدود الفاعلية عمليًا بسبب استمرار الاحتلال والمستوطنات والقيود على الحركة والتنقل. ومع ذلك، يعزز الاعتراف الدولي الموقف التفاوضي للفلسطينيين ويزيد الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات في ملفات مثل الحدود والمستوطنات وحق العودة للاجئين.

 الانعكاسات المستقبلية

يحمل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين أبعادًا مستقبلية تتجاوز أثره الآني، إذ يُنتظر أن يفتح الباب أمام تحولات تدريجية في مواقف الدول العربية والغربية من القضية الفلسطينية.
فعلى الصعيد الإقليمي، من المرجّح أن يدفع هذا الاعتراف كلًا من الأردن ومصر إلى إعادة تقييم أدوارهما الدبلوماسية، بهدف الحفاظ على توازنهما بين الالتزامات الدولية وضغوط الشارع العربي الذي يطالب بمواقف أكثر حزمًا تجاه إسرائيل.

قد يسعى الأردن إلى توظيف هذا الاعتراف لتعزيز دوره كوسيط في أي مفاوضات مستقبلية، مستندًا إلى شرعيته التاريخية في رعاية المقدسات ودعمه الدائم لحل الدولتين. أما مصر، فقد تعمل على توسيع نفوذها السياسي في قطاع غزة عبر مبادرات إنسانية وتنموية جديدة، لتثبيت حضورها كقوة استقرار في المنطقة. 

 شاهد التقرير 





Commentaires