الفضاء الالكتروني و مدى تأثيره في العلاقات الدولية

 


(بقلم الطالبة سارة البكوش (رأي)

أفرزت ثورة المعلومات والتكنولوجيا تحولات عميقة في مفهوم الأمن ومضامينه وأبعاده، وايضا أحدثت تغيرات في مفاهيم القوة والصراع من حيث طبيعة المفهوم وملامح الفاعلين، حيث ظلت الصراعات التقليدية والقوة العسكرية تحددان  لفترة طويلة طبيعة الخطابات السياسية، وحدود وهيكل النظام العالمي، وموقع ا لقوي الكبري منه، إلا أن اتساع تأثيرات التقدم التقني والعامل التكنولوجي في السياسات الدولية، وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، أضاف أبعادا أخري للمفاهيم التقليدية کالأمن والقوة العسكرية والصراع.

اذ  تلاشت الفواصل والحدود بين ماهو مدني وعسكري  ، ومن ثم أخذت تلک المفاهيم أبعاد وسمات غير تقليدية، سواء من حيث الفاعلون ، أو القضايا، ، وذلك نتيجة التغير في التهديدات في ظل التزاوج بين التكنولوجيا والارهاب وظهور الارهاب الالكتروني .

ومع بروز الفضاء الالكتروني، کأحد أسباب التغير في مفاهيم القوة والأمن والصراع في العلاقات الدولية، حيث زادت ثورة المعلومات والتكنولوجيا في تحول عدد من الظواهر والتهديدات وفي مقدمتها الإرهاب، مما يجعله يشكل تأثيرا سلبيا متناميا على الأمن القومي للدول ، حيث أصبح العالم أمام ما يمكن أن يطلق علية العصر للإرهاب و ذلك بالمقارنة بتغير طبيعة الصراعات وملامح الفاعلين وأبعاد الامن القومي و ظهور الأمن الالكتروني والفضاء الالكتروني الذي اختصر حاجز الزمان والمكان وخلق مساحات للتفاعلات الداخلية والدولية في الواقع الافتراضي ومن ثم برزت فضاءات جديدة للصراع بأدوات مختلفة وأنماط جديدة تختلف عن الصراعات التقليدية.

 

  مع بروز الفضاء الالكتروني کساحة للصراع العالمي واجهت المفاهيم التقليدية الأمن والقوة والصراع تحديات واضحة خاصة ل في مدي ملائمتها أو حتي مع طبيعة التفاعلات في الواقع الافتراضي، لذا برزت الحاجة الي معرفة  التغيرات التي ألحقتها الحقائق التکنولوجية بهذه المفاهيم ومن هنا تدور المشكلة البحثيه حول التساؤل الرئيسي وهو: کيف أثر الفضاء الالكتروني علي مفاهيم القوة والأمن والصراع في العلاقات الدولية ؟

 

أولا : أثر الفضاء الإلكتروني علي مفهوم القوة في العلاقات الدولية

 أعطى ظهور الانترنت إيذانا ببزوغ العصر الإلكتروني، وخلق بیئة جدیدة هي الفضاء الإلكتروني (Cyberespace) الذي يمثل بعدا خامسا للحرب والارهاب إلي جانب الأبعاد الأربعة الأخري التقليدية المتمثلة في البر والبحر والجو والفضاء الخارجي حيث أصبح یؤثر في النظام الدولي، خاصة مع بروز شكل جدید من القوة وهي القوة الإلكترونية (Cyberpouvoir) من الفاعلین على المستوى الدولي والمحلي، ما جعل الفضاء الإلكتروني مجالا جدیدا للصراع بین الدول.

حيث يعتبر الفضاء الإلكتروني مجال افتراضي من صنع الإنسان یعتمد على نظم الكم بیوتر وشبكات الانترنت وکم الهائل من البیانات والمعلومات والأجهزة، وهناك من عرف الفضاء الإلكتروني بوصفه الذراع الرابعة للجیوش الحدیثة، وهناك من یرى أنه البعد الخامس للحرب، وهذا التعریف یحصر الفضاء الإلكتروني في المجال العسكري فقط دون التطرق للمجالات الأخرى. فيمكننا القول بأن : "الفضاء الإلكتروني هو بیئة تفاعلیة حدیثة، تشمل عناصر مادیة وغیر مادیة، مكون من مجموعة من الأجهزة الرقمیة".

 

ثانيا : دور الفضاء الالكتروني في تغير مفهوم القوة :

أصبح الفضاء الإلكتروني أحد العناصر الأساسیة التي تؤثر في النظام الدولي، بما یتیحه من أدوات تكنولوجیة مهمة لعملیات الحشد والتعبئة في العالم، فضلا  عن التأثیر في القیم السیاسیة، فسهولة الاستخدام ورخص التكلفة زادا من قدرته على التأثیر في مختلف مجالات الحیاة، سواء السياسية، الاقتصادية، العسكریة، الاجتماعية وحتى الایدیولوجیة، وبات جلیا  ، أن من یمتلك ،  اليات التوضيف البیئة الالكترونیة  ، یصبح أکثر قدرة على تحقیق أهدافه والتأثير  في سلوك  الفاعلین المستخدمین لهذه البیئة .

 حيث لعب الفضاء الإلكتروني دورا أساسيا في تعظيم القوة، أو الاستحواذ على عناصرها الأساسية في العلاقات الدولية، و أصبح التفوق في ذلك المجال عنصرا حيويا في تنفيذ عمليات ذات فاعلية في الأرض، والبحر، والجو، والفضاء، واعتماد القدرة القتالية في الفضاء الإلكتروني على نظم التحكم والسيطرة التكنولوجية.

وأدى ذلك الأمر إلى تغيير في مفهوم القوة الوطنية للدولة، فبات بالإمكان تعريفها بأنها مجموعة الوسائل، والطاقات، والإمكانيات المادية وغير المادية ، المنظورة وغير المنظورة التي بحوزة الدولة، ويستخدمها صانع القرار .

 

ثالثا :  تحولات القوة وظهور القوة الإلكترونية :

 من الأمور المستقرة في العلاقات الدولیة أن مصادر قوة الدولة وأشكالها تتغير  ، فإلى جانب القوة الصلبة المتمثلة في القدرات العسكریة والاقتصادیة، تزاید الاهتمام بالأبعاد غیر المادیة للقوة... ومن ثم بروز القوة الناعمة التي تعتمد على جاذبیة النموذج والإقناع، ومع ثورة المعلومات ظهر شكل جدید من أشكال القوة وهي القوة الإلكترونیة pouvoir)  (Cyber  التي لها تأثیر کبیر على المستوى الدولي والمحلي.

 فمن ناحیة أدت إلى توزیع وانتشار القوة بین عدد أکبر من الفاعلین مما جعل قدرة الدولة على السیطرة موضع شك، ومن ناحیة أخرى منحت الفاعلین الأصغر،  قدرة أکبر على ممارسة کل من القوة الصلبة والقوة الناعمة عبر الفضاء الإلكتروني، وهو ما یعني تغیرا في علاقات القوى في السياسة الدولیة .

    وعلى غرار هذا التحول، برزت "القوة الالكترونية" ، حیث یعرفها جوزیف ناي          بأنها :" القدرة على الحصول على النتائج المرجوة من خلال استخدام مصادر المعلومات  المرتبطة بالفضاء الإلكتروني، أي أنها القدرة على استخدام الفضاء الإلكتروني  لإیجاد مزایا للدولة ، والتأثیر على الأحداث أخرى وذلك عبر أدوات إلكترونية"، کما یوضح جوزیف ناي أن مفهوم القوة الإلكترونیة  یشیر إلى " موارد  المتعلقة بالتحكم والسیطرة على أجهزة الحاسبات و المعلومات و الشبكات الالكترونیة  ، والبنیة التحتیة المعلوماتیة والمهارات البشریة المدربة للتعامل مع هذه الوسائل "

ویتناول مفهوم القوة الإلكترونیة مجمل القضایا التي تتعلق بالتفاعلات الدولية الاقتصادية العسكریة والسیاسیة والثقافیة والإعلامیة وغیرها.

      وترتكز عناصر تلك القوة على وجود نظام متماسك  يعظم القوة المتحصلة من  التناغم بين القدرات والسكانية، والاقتصادية، والصناعية، والقوة العسكرية، وإرادة الدولة، وغيرها بما يسهم في دعم إمكانات الدول على ممارسة الإكراه، أو الإقناع، وممارسة التأثير السياسي في أعمال الدول الأخرى بغرض الوصول للأهداف الوطنية، من خلال قدرات التحكم، والسيطرة على الفضاء الالكترونی .

 فقد أعطت القوة الالكترونية دفعا رئيسيا في اتجاهين الأول: تدعيم القوة ال ناعمة للدول حيث بات الفضاء الإلكتروني مسرحا لشن هجمات تخريبية ترتبط بنشر المعلومات المضللة، والحرب النفسية، والتأثير في توجهات الرأي العام، والنشاط  السري و الاستخباراتي.

أما الاتجاه الآخر، فيتعلق بتبني الدول لزيادة ال إنفاق في سياسات الدفاع الإلكتروني، وحماية شبكاتها الوطنية من خطر التهديدات، وبناء مؤسسات وطنية للحماية الإلكترونية .

 

يمكن القول أن ثورة المعلومات وما صاحبها من التطور في التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في ظل العصر الرقمي أدت الي ظهور تحولات في طبيعة التهديدات للأمن القومي أبرزها الارهاب الالكتروني واستغلاله لبعض الثغرات الموجودة في الفضاء الإلكتروني، ويعتبر من بين التهديدات التي لا تقل خطورة ومساسا بالأمن القومي للدول، الذي قد طرأ عليه الكثير من التعديل والتغيير، على مستوى التهديدات، الفاعلين، والقطاعات.

 فبعد أن بدأ عند الواقعيين محصورا في الدولة والقوة العسكرية، توسع في مفهومه الشامل، ليعم جميع مجالات الحياة، مرکزا على أمن الافراد والمجتمعات، وظهور العصر الرقمي بفضل ثورة المعلومات والاتصالات، فالكل مرتبط  بالشبكة ، مما خلق فضاء جديدا للتفاعل، هو الفضاء الإلكتروني، الذي بدوره أحدث تغييرا في مفاهيم العلاقات الدولية، کمفهوم القوة والصراع والحرب، حيث انتشرت القوة بين الفاعلين، وتحول الصراع من المادي الى الافتراضي، وأصبحت الحروب تخاض بالأصفار والآحاد، وبدا واضحا أن الدول تتجه نحو عسكرة الفضاء الإلكتروني، مما نتج عنه ظهور تهديدات جديدة تتزايد في الحجم والشدة، وتشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي، فكلما زاد التشابك، زادت التهديدات الإلكترونية، وأثر ذلك على الأمن القومي، مما عجل بظهور مفهوم جديد هو الامن الإلكتروني، بأبعاده المختلفة، والذي تحاول الدول من خلاله الحد من المخاطر والتهديدات في الفضاء الإلكتروني، فالجريمة والارهاب والحرب في الفضاء الإلكتروني تعد من بين التحديات الأمنية الجديدة أمام الدول.


 

 

 

 

 

Commentaires